القهوة العربية ... رمز الكرم والضيافة الأصيلة
كتبت: جميلة إسماعيل
اعتبر العرب القهوة رمزا للكرم والعراقة والضيافة العربية الأصيلة، فهي تراث عميق ارتبط بالإنسان العربي في حله وترحاله، غناه وفقره، أفراحه وأتراحه، وهي بطقوسها عادة لها احترامها، وفي طريقة إعدادها تفرد يختلف من بلد لآخر لكن الطابع العربي له مذاقه الخاص وقواعده وأسلوبه.
وبيت العربي الأصيل عامة، والبدوي خاصة، لا يخلو من دلة نحاسية مملوء بالقهوة العربية الدافئة التي يضيفها للداخل والخارج من عنده، مع حبات التمر. وتقدم القهوة العربية للضيف بعد السلام عليه، وإيجاد مكان مناسب لجلوسه، ثم يصب له فنجان القهوة ولا يتم ملء الفنجان، ولا يوضع فيه قدر ضئيل، بل ربع الفنجان فقط ولا يجوز أبدا تقديم القهوة في فنجان به ولو كسر بسيط لأن ذلك يعد عيبا، وعلى الضيف أن يشرب القهوة، فإذا انتهى منها يهز الفنجان ويسلمه للمقهوي ولا يضعه على الأرض حيث يتحتم عليه الاحتفاظ بالفنجان في يده حتى يعود إليه المقهوي ليأخذه منه إن كان قد انشغل عنه بتقديم القهوة للآخرين.
ولا يجوز في تقديم القهوة التخطي، بمعنى أن تقديمها يكون من اليمين وحسب تسلسل الجالسين حتى وان كان بينهم طفل صغير، إذ يجب على المقهوي تقديم القهوة له فإن رفضها فله الحق في الانتقال لمن يليه، فإن قبلها فنعم، وله الحق في أن يتناول القهوة حتى يهز الفنجان مثله مثل الرجل الكبير.
وتقدم القهوة للضيف ثلاث مرات كأمر واجب، الأولى عند قدومه، والثانية بعد تقديم “الفوالة” أو الفواكه، والثالثة بعد الطعام وليس معنى ذلك أنها لا تقدم في غير تلك الأوقات، بل تقدم بعدد غير محدود من المرات وأقلها تلك الثلاث.
ومن عادات شرب القهوة العربية أن المضيف يشرب فنجانا من القهوة التي يقدمها لضيوفه قبل أن يضيفها لهم، وهذه عادة قديمة من عادات البدو للدلالة على خلو القهوة من أي مكروه.
وفي الخليج ومنذ القدم يحرص المواطن على أن تكون القهوة في بيته قبل حرصه على الطعام لأنه يخشى أن يفاجئه ضيف. وعمل القهوة العربية يدويا يعتبر من أفضل الأعمال التي يقوم بها الرجل العربي أمام ضيوفه، لذلك يتفنن الكثيرون في عملها، ومن أبرز أدوات عمل أو إعداد القهوة العربية: المحماس أو المخباط: وهو قطعة من الحديد أو النحاس ، ويستخدم في تقليب القهوة أثناء تحميضها، أو لرفع أنواع الخبز من على المخبز مثل خبز الخميرة. المبرادة: والتي تستخدم لتبريد القهوة. والإستكان: وهو كأس الشاي الزجاجية التي يشرب بها أبناء الإمارات والخليج، وهي صغيرة الحجم تقترب سعة ما تحتويه من سعة فنجان القهوة، وبعض أنواع الإستكان يكون مزخرفا بالنقوش الجميلة وأنيقة التصميم. والسلة أو المعاميل: وهي مجموع أدوات عمل القهوة.
وفي المجالس العربية لا تستقر فناجين القهوة ولا دلتها في مكانها، لا سيما في مجالس الوجهاء، وتقتضي العادات انه كلما دخل ضيف جديد على المجلس تدور فناجين القهوة من جديد على جميع الجالسين، ولا يجوز أن يغادر أحدهم المجلس والفناجين تدور وإنما عليه الإنتظار حتى تستقر الفناجين مكانها. وقد سطرت في القهوة العربية الكثير من الأبيات الشعرية ووصفها الكثير من الشعراء ، ووصفوا الأواني التي يتم تحضيرها فيها والمعاميل ومنها النجر والمحماس ، والدلة والمبرد والفنجان وبعض أوانيها. وقال الشاعر عبد الله العلي: قم سو فنجال ونظف أدلاله، ريحه لراعي الكيف يجلي أعماسه، أشعل ولونه مثل دم الغزالة، لاذاقه الراقد يحارب إنعاسه، في مجلس تدله إلى جاء مجاله، اللي عن اللجات يقصر حساسه، والا ترا بعض المجالس عذاله، لا معشر طيب ولا فيه أناسه.
أما الشاعر سليمان الهزاع فقال: لا في على جمر الغضى سو فنجال ، فنجال بن من رخيص وغالي، حيثك قديم مغربل البن غربال، حكيم عند مصاطرات الدلالي، خله على المطلوب يلفت لنا البال، يفتح لنا المعنى بمبدا المقالي، الى انطلق من ثعلب المبهرة مال، يشدي خضاب مخفرات حيالي.
ويقول أبو عبد الرحمن العنزي - كويتي -: لا يضير القهوة العربية انصراف الجيل الجديد عنها واتجاهه نحو “القهوة الإفرنجية” حيث تقدم في مختلف المناسبات.
أم فالح الرميثي، إماراتية قالت: كنا سابقا نعد القهوة العربية من دون استعمال الأدوات الحديثة حيث نبدأ بإشعال النار، ثم نضع المحماسة عليها ونضع فيها القهوة، ثم نقوم بتحريكها جيدا بحيث لا تثبت في مكان واحد حتى لا تحترق، ونستمر في التحريك حتى تصبح القهوة شقراء أو سمراء، حسب الطلب، ثم نضعها فورا في المبرادة لبضع دقائق حتى تبرد، بعد ذلك نضعها في النجر ونطحنها جيدا، ثم نضعها على كمية الماء المغلي في المطباخة، ونتركها حتى تغلي بهدوء، وفي هذه الأثناء نقوم بطحن الهيل في النجر ونضعه في المبهارة الفارغة ونبعد المطباخة عن النار ونتركها تهدأ قليلا، ثم نصب القهوة في المبهارة المحتوية على الهيل فقط، ونضعها على النار ونتركها حتى تغلي قليلا وننزلها عن النار، ونضع الليف في فمها لكي يحجب الهيل من النزول، ثم نبدأ بصبها.